محمد خيي: التشخيص بالجوارح والإخلاص للشخصية أنجحا "سلمات أبو البنات"
تنطلق أغنية الفنانة سلمى رشيد بحمولة كلماتها المؤثرة لتشد معها الأسرة ككل للغوص في فصول جديدة من تلك القصة التي بدأت في نسج خيوطها من مدينة تطوان، قبل أن تشرع في البوح بأسرارها، بين الأزقة الضيقة للمدينة العتيقة في الدار البيضاء؛ هناك حيث يحضن "المختار سلمات" بناته الثلاث، في صورة الأسرة المغربية المحافظة بشموخها وأصالتها.
منذ عرض حلقاتها الأولى، استحسن المشاهد المغربي الحبكة الدرامية التي أتى بها المسلسل، كما صنع الممثل القدير محمد خيي علامة التميز بتجسيده لدور "المختار سلمات"، رب أسرة مكونة من ثلاث بنات، تدور الأحداث حولها بتسلسل وتشويق..
من داخل الحجر المنزلي، فتح محمد خيي قلبه لقراء "الصحيفة" واستجاب لطلب الحوار بعفوية وتلقائية، إلا أنه اشترط أن يتم ذلك بعد صعود "جنريك" نهاية إحدى حلقات المسلسل.
- أثير الكثير من النقاش حول مسلسل "سلمات أبو البنات" الذي يعرض على شاشة MBC5 خلال شهر رمضان.. بخصوصكم كيف جاءت مشاركتك في هذا المسلسل؟
بعد أن جالست كلا من المخرج هشام الجباري والمنتجة فاطنة بنكيران، تحدثنا مطولا، وكونت فكرة مبدئية عن سيناريو سلسلة "سلمات أبو البنات" والشخصية التي سأتقمص دورها، حيث تركت لدي الأخيرة انطباعا جيدا منذ قراءتي لسيناريو الحلقات الثمان أو العشر الأولى.
وتكونت لدي قناعة بأن المنتوج التلفزيوني الذي نحن بصدد العمل عليه، سيرقى إلى التطلعات، خاصة من منطلق الفكرة التي تلامس نبض المجتمع المغربي، حيث توقعنا أن يجد المشاهد ضالته في أحداث العمل الدرامي، من خلال الحبكة وتطور الأحداث، كما الإشكاليات التي تعالجها القصة عبر حلقات المسلسل، الذي يعكس حياته اليومية وواقعه المعاش.
- كيف كانت توابل إعداد طابق "سلامات أبو البنات" الفني؟
خلف عمل "سلامات أبو البنات" أشهر من الاجتهاد من طرف المخرج وطاقم الإنتاج الذي وفر جميع الإمكانيات والظروف المواتية للاشتغال وسط جو من الابداع والخلق، في أفق تقديم منتوج فني على طابق ممتع بالنسبة للجمهور المغربي، وهو ما تحقق أيضا بفضل الدور الذي لعبه المشخصون داخل السلسلة، حيث انصهر كل منهم في شخصيته إلى درجة الإقناع.
داخل جو التصوير، كانت الجدية عنوانا بارزا في تأدية الأدوار المنوطة بنا، حيث بلغنا درجة التشخيص بالجوارح أكثر من كلاسيكية التمثيل، كما لمسنا الكثير من الحب حب والصدق والتفاني في تجسيد السيناريو، إلى حد الإخلاص للشخصية.
- بالعودة إلى تشخيص الأدوار في سلسلة "سلمات أبو البنات".. كيف تقمص محمد خيي دور المختار سلمات؟
القاسم المشترك بين محمد خيي و"المختار سلمات" يتجسد في طابع "التمغربيت" الذي يميزنا وأعشقه بصفة شخصية، والمتمثلة في كل ما هو "بلدي" نابع من تربة هذا الوطن.. هذه الروح المغربية، لامستها في شخصية "المختار"؛ الرجل المغربي القح الذي يملك غيرة على فلذات كبده، والذي يجسد المثل الشعبي المغربي "الراجل يموت على ولادو ولا على بلادو".
من هذا المنطلق، استمتعت بأداء الدور حتى وأنا أشتغل عليها قبل بداية التصوير، حيث استمرت قراءتي واستئناسي بالسيناريو لأزيد من شهرين، حاولت خلالها العمل على الشخصية بجوانبها الداخلية والمظهر الخارجي، مما أعطانا قالب الأب المغربي الذي يخاف على بناته الثلاث ويكن لهن حبا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الاحترام القائمة داخل البيت بين الزوج وزوجته، في صورة كاربونية عن العلاقات القائمة داخل الأسر المغربية الأصيلة.
- هل أعاد "سلمات" الاعتبار إلى مكانة الأب في مؤسسة الأسرة المغربية؟
(مقاطعا) لم أرى الموضوع بهذه المقاربة التي تتحدث عن "رد اعتبار" أكثر مما أعتبر أن الشخصية في حد ذاتها، تعيد المغاربة إلى الصورة التي يحملها الأب المغربي الذي عايشناه؛ كيف يحظى بالاحترام داخل أسرته ومن لدن زوجته، داخل حومته بين أقاربه، بالغيرة التي يحملها في داخله والجدية التي تطبع سلوكه.. هو نفسه الأب الذي يعرف المعقول و"ما عندوش مع التخربيق".
هكذا هو "المختار سلمات"، الذي يفرض الاحترام داخل بيته بين زوجته وبناته، حيث أن كلمة السر في آخر المطاف تتمحور حول خوف هذا الأب على بناته وتغليبه لمصلحتهم الشخصية.
هذا هو النموذج الذي يتعطش المغاربة لرؤيته في الواقع، من خلال الرسائل التي نتوصل بها، بعضها من يتامى يتحسرون رحيل الوالد، كما أن البعض الآخر يرى في "سلمات" الأب الحقيقي، من خلال أحد اللقطات المؤثرة التي كان يرغب من خلالها اقتناء حذاء، إلا أنه استسلم لرغبات ابنته على أن يرضي حاجياته الشخصية.
- بعد عرض المسلسل عبر الشاشات.. كيف يتفاعل محمد خيي مع تعاليق "الفايسبوك"؟
تتقاطر الرسائل عبر مواقع التواصل الإجتماعي، كما نرصد ذلك كطاقم وممثلين عبر مجموعتين على تطبيق الواتساب، نستقبلها بارتياح ونعيش متعة في قراءتها، كما تتنوع شرائح المجتمع، صغارا وكبارا، شيبا وشبابا، هذه الفئة التي استحسنت بدورها العمل "المغربي" المحض.
اليوم، أضحى المشاهد المغربي يرغب في متابعة منتوج يشبهه ولا ينسخ ما هو تركي أو شرقي، على سبيل الذكر ليس الحصر، منتوج يتشبع بـ "تمغربيت" ويحاكي واقعه المعاش.. من هذا المنطلق، ستلقى الدراما المغربية مكانتها وسط الدرامات العربية مستقبلا.
- وسط الساحة الدرامية المغربية.. كيف تتابعون الانتاجات التلفزيونية الرمضانية هذا الموسم؟
الأعمال المعروضة على الشاشة المغربية، خلال شهر رمضان لهذه السنة، تعكس التطور الذي أضحت تتمتع به الدراما المغربية، على غرار مسلسل "ياقوت وعنبر" و"السر المدفون" و"الإرث" أو حتى "شهادة ميلاد" المعروض على "MBC5"، هذا الزخم الجميل الذي يمنح تنوعا محمودا للمنتوج الفني.
على مستوى التشخيص، بالإضافة إلى الأسماء المعروفة، زادت فرحتي بمتابعة ثلة الشباب والشابات الذين ظهروا على الشاشة وأبانوا على قدرات كبيرة، مما يبعث أملا أن لا خوف على الدراما المغربيك مستقبلا، كما أن الأخيرة قادرة على المنافسة على أعلى الأصعدة.
من الأمور المستحبة أن تأتي قنوات جديدة لِتُغني الساحة الدرامية المغربية، ما من شأنه أن يرفع من درجة التنافسية بين الانتاجات ويسمح بالعمل على عدة مسلسلات عوض الاشتغال على عمل واحد في السنة، حيث أن التجربة تأتي بالممارسة والاستفادة المشتركة تنبع من المتابعة.
- عودة إلى بلاطو تصوير "سلمات أبو البنات".. كيف عاش محمد خيي هذا المزيج بين التجربة والفتوة؟
الاطمئنان الذي انبعث من محيا المشخصين لأدوار سلسلة "سلمات أبو البنات"، لا يدل إلا عن الارتياح الذي كان ينعم به المخضرمون كما الشباب داخل "بلاطو" التصوير، لأن حينها لم يكن فرق بين محمد خيي والسعدية لديب، وبين الشباب الذي في بداياته الفنية.
قبل دخولنا لتجسيد الشخصيات، كانت الأخوة تجمعنا بجيهان كيداري، سلمى صلاح الدين، فاطمة الزهراء بلدي، هاشم البسطاوي، عمر لطفي، هشام الوالي والشباب الآخرين.
أجمل شيء في العمل هي روح الألفة بين المشخصين، والتي لا يمكن إلا أن تنعكس بالإيجاب على المنتوج النهائي.
لا خوف على الدراما المغربية بوجود ممثل مثل هاشم البسطاوي، الذي يملك إمكانيات جيدة وهو شاب يشق طريقه بتباث ليقول كلمته في المستقبل، شأنه في ذلك شأن "بناتي الثلاث"؛ اللواتي أظهرن أن الساحة الفنية في حاجة إلى هذا الشكل من الوجوه اللامعة.
الأمر سيام وأنت تشاهد مسلسل "ياقوت وعنبر"، الذي يزخر بدوره بالأسماء الشابة التي أدت دورها بشكل جميل؛ ربيع الصقلي الذي أدى دور "الغالي" أو المهدي فولان الذي أتنبأ له بمسيرة موفقة. هو غيض من فيض اللائحة الطويلة التي خانتني الذاكرة في أن أسردها كاملة، لكني أتابع تألقها وأتمنى لهم التوفيق كل باسمه.
- تزامن تصوير "سلمات أبو البنات" مع موجة جائحة "كورونا".. كيف تعاملتم مع الوضع الاستثنائي؟
(مبتسما) كان تفصلنا عشر أيام عن نهاية تصوير المسلسل، حين بدأت موجة وباء "كورونا" تجتاح المغرب، حيث تغير المشهد في بلاطو التصوير وأصبحنا نستعمل التدابير الوقائية أثناء العمل، سواء بوضع "الكمامات" أو التعقيم.
حينها، بدأت شخصيا بفقدان التركيز التام بعد أن زادت حدة التخوف بين المجموعة الساهرة على العمل الدرامي، ليتحول الجو إلى تباعد اجتماعي غير إيجابي بالنسبة لطبيية الاشتغال.
في خضم هذه الظروف الصعبة، توقفنا عن العمل لفترة، قبل أن نعود، قبل أسبوع، لاستكمال تصوير بعض المشاهد لحلقات غير مكتملة، حيث امتد ذلك لثلاث أيام، كما قمنا بمجهودات ليعرض المنتوج النهائي بحلقاته الثلاثين، على أمل أن تكون المتعة مكتملة بالنسبة للمشاهد المغربي.
- في أي رف من خزانته الفنية يضع محمد خيي شخصية "المختار سلمات" ؟
في الحقيقة، كل عمل من أعمالي له مكانته الخاصة، ففي وقت من الأوقات كان مسلسل "سرب الحمام" من الانتاجات الجميلة جدا، حينها، ثم أتت مسلسلات "ولاد لبلاد" و"جنان الكرمة" لتنال أيضا الاستحسان، الأخير الذي يتذكرني به المشاهد في دور "القائد".
حاليا، جاء "سلمات أبو البنات" ليمنحني دورا جديدا بشخصية مختلفة؛ دور "المختار سلمات" الذي افترقت معه بصعوبة إسوة بباقي الشخصيات التي أديتها، إلا أن قناعتي الفنية تفرض علي الانسلاخ من ثوب الشخصية مباشرة بعد نهاية المسلسل.. (مازحا) جاء الدور الآن على شخصية أخرى، وإن كان للمسلسل الأخير جزء ثان، سأجوب الأسواق والقبائل لأعانق سلمات مجددا.